ترحيل اللاجئين الأفغان انتهاك لحقوق الإنسان أم جريمة ضد الإنسانية؟

ترى خبيرة القانون الدولي والمحامية نيرة أنصاري، أن ترحيل اللاجئين الأفغان لا سيما النساء يعد انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان وفي بعض الحالات جريمة ضد الإنسانية.

شهلا محمدي

مركز الأخبار ـ يواجه اللاجئون الأفغان في العديد من الدول يومياً خطر الترحيل القسري إلى أفغانستان، دون أي مراعاة للضمانات القانونية أو الإنسانية، ما يثير قلقاً دولياً واسعاً بشأن مصيرهم في ظل حكم طالبان.

في الآونة الأخيرة رحلت بعض الدول لاجئين أفغان لا سيما اللاجئات المقيمات على أراضيها، على الرغم من أن عودتهم إلى أفغانستان قد تكون لها عواقب وخيمة، إذ تواصل حركة طالبان حرمان النساء من إمكانية العيش حياة طبيعية معتمدةً على قوانين معادية للنساء وغير إنسانية.

وعن الأبعاد القانونية لقضية النزوح القسري للشعب الأفغاني في إطار القانون الدولي قالت خبيرة القانون الدولي والمحامية نيرة أنصاري "علينا أن نعود إلى الوراء ونفهم جذور وسياق اللجوء الأفغاني في إيران بشكل أفضل، فقبل الثورة الدستورية، كان طلب اللجوء في إيران يتم بشكل تقليدي وداخل الحدود، حيث كان الأفراد يلجؤون إلى الأماكن الدينية المقدسة والأديرة، وأحياناً إلى سفارات وقنصليات الحكومات الأجنبية، إلا أنه بعد الثورة الدستورية ومع ظهور الدستور وتشكيل دولة قائمة على القانون تغير هذا التقليد، إذ لم يعد القانون يسمح للأفراد سواءً كانوا مجرمين عاديين أو سياسيين بالإفلات من العقاب والبحث عن ملجأ في مكان ما، ومن هنا اكتسب مفهوم اللجوء شكلاً ومعنى قانونياً جديداً".

 

من تقليد طلب اللجوء إلى قانون اللجوء تحول في مفهوم الحماية

وأوضحت أنه مع قيام النظام الإسلامي أقرت المادة 155 من دستور جمهورية إيران الإسلامية حق اللجوء السياسي، وإيران طرف في اتفاقية عام 1951وبروتوكول عام 1967، وهي ملزمة بالامتثال لأحكامهما، بما في ذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئين، لآن اللاجئ هو شخص فر من بلده بسبب خوف مُبرر من الاضطهاد السياسي أو الديني أو العرقي أو الاجتماعي، وقد لجأ ملايين الأفغان إلى الدول المجاورة بما فيها إيران بسبب انعدام الأمن، ويعيش الكثير منهم في ظروفٍ هشةٍ دون وثائق رسمية، وهم مُعرضون لخطر الاعتقال والترحيل القسري.

وأكدت أنه في عام ٢٠٢٣ قُدر عدد اللاجئين الأفغان في إيران بنحو ٣.٤ مليون لاجئ منهم ١.٥ مليون لا يحملون وثائق إقامة سارية، وقد حرمهم هذا الوضع من الرعاية الصحية والتعليم والوظائف اللائقة والضمان الاجتماعي، وأدى إلى الاستغلال والفقر والمرض والأزمات النفسية، لا سيما للنساء والأطفال المعرضين بشدة لخطر الإيذاء.

وأشارت إلى أن الأطفال المولودون من زواج إيرانيات برجال أفغان يتعرض لخطر فقدان هويتهم بسبب قوانين الجنسية، ويواجه اللاجئون الأفغان تمييزاً دينياً وقيوداً على العمل ونقصاً في فرص التعليم، بينما يتمتع اللاجئون العراقيون (الشيعة) على وجه الخصوص بامتيازات أكبر، مضيفةً أنه في السنوات الأخيرة كُثفت عمليات الترحيل حيث تم ترحيل أكثر من 1.3 مليون أفغاني في عام 2012 وحده، وقد حذرت منظمات دولية مثل اليونيسف ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من هذه الإجراءات، إذ تُهدد عودة اللاجئين إلى أفغانستان في ظل حكم طالبان حياتهم للخطر.

وشددت على أنه في الوقت نفسه، أدى انخفاض المساعدات العالمية ولامبالاة السلطات الإيرانية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وهي الأزمة التي تؤثر عواقبها على الشعب الأفغاني والمجتمع المضيف على حد سواء.

 

هل طرد اللاجئين غير المسجلين بذرائع أمنية مشروع قانوني حقاً؟

وأضافت أنه وفقاً للمادة 32 من اتفاقية عام 1951 وبروتوكول عام 1967 لا يُسمح بطرد اللاجئين إلا في حالة وجود تهديد حقيقي للأمن القومي وبعد محاكمة عادلة، حتى في حالات التهم كالتجسس لا يجوز البت في الطرد إلا من قِبل محكمة مختصة ونزيهة ومستقلة، ومع ذلك في حالة العديد من اللاجئين الأفغان لم تُقدّم وثائق واضحة ولم تُتخذ أي إجراءات قضائية، ولا تُشكل التهم مثل نشر محتوى عام على مواقع التواصل الافتراضي التعريف القانوني للتجسس ولا يُمكن أن تُشكل أساساً قانونياً للترحيل.

وبينت أن عمليات الترحيل التي تُنفَّذ دون إثبات ارتكاب جريمة تُعد انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي والتزامات إيران، إضافةً إلى ذلك تُشير التقارير الواردة من الحدود إلى تعرض اللاجئين للإذلال والعنف والتعذيب في طريق عودتهم، وحتى الاستشهاد بالأمن القومي يتطلب أسباباً واضحة ومثبتة، ولا يمكن للادعاءات أو الشكوك وحدها أن تبرر مثل هذا الإجراء.

ونوهت إلى أنه في القانون الدولي يعد النزوح القسري للاجئين من الأراضي التي لجأوا إليها انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان ويتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مضيفاً أنه بموجب المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن النزوح القسري قد يشكل "جريمة ضد الإنسانية"، وهو ما أكدته في السابق إحدى فروع المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة "في حالة اللاجئين الأفغان، حدثت عمليات طرد جماعي ونزوح قسري وهو ما يمكن تصنيفه استناداً إلى الوثائق الدولية على أنه جرائم ضد الإنسانية".

 

هل يملك النظام الدولي آلية فعالة لمنع الطرد غير القانوني للاجئين؟

وأكدت أنه في القانون الدولي يعد "الطرد" و"التهجير القسري" مفهومين مختلفين ويشير الطرد إلى الإبعاد القسرية للأفراد من بلد ما، بينما يشير التهجير القسري إلى النقل القسري للأفراد داخل بلد ما، ويُعد كلاهما انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خاصةً التهجير القسري الذي يُعتبر "جريمة ضد الإنسانية" في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ولفتت إلى أن ترحيل قرابة 2.2 مليون لاجئ أفغاني من إيران دون مراعاة فردية يعد انتهاكاً واضحاً لمبادئ حقوق الإنسان الأساسية والقانون الدولي والقانون الداخلي الإيراني وله عواقب قانونية وخيمة، وقد حُرم هؤلاء الأفراد من حقوق كالأمان الوظيفي والرعاية الصحية والسكن والتأمين، ويواجهون تهديدات خطيرة على حياتهم في حال عودتهم إلى أفغانستان.

وشددت نيرة أنصاري في ختام حديثها على أن النظام الإيراني من خلال تصديقه على اتفاقية عام ١٩٥١ وبروتوكول عام ١٩٦٧ في البرلمان السابق، مُلزمٌ بمراعاة مبدأ "عدم الإعادة القسرية" ونتيجةً لذلك، تُشكل هذه الإجراءات انتهاكاً لالتزامات إيران الدولية، وستكون لها عواقب قانونية بعيدة المدى لا سيما في ضوء سياسات سابقة مثل "توفير المياه للمهاجرين" والتي فاقمت الوضع.